شعار الهئية
  • EN
+A
A
A-
high-contrast-logoتباين عالي
voice-overالأوامر الصوتية

حماية اختراعات الذكاء الاصطناعي: قضية DABUS

تاريخ النشر : 23 نوفمبر 2022

في عام 2019، رفع طلب براءة اختراع إلى مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية بالولايات المتحدة (USPTO) وأثار جدلًا واسعًا في كثير من الدول. وهو طلب يتعلق بآلة ذكاء اصطناعي أنشأها الدكتور ستيفن ثالر تسمى بـ "جهاز للإقلاع الذاتي للحاسة الموحدة (device for the autonomous bootstrapping of unified sentience)" وتعرف اختصارًا باسم DABUS. وقد نسب الدكتور ثالر إلى هذه الآلة اختراعًا ادعى أن الآلة بنفسها قامت به وليس هو. وهذا الاختراع عبارة عن حاوية طعام وتقنية لجذب الانتباه المعزز. وبغض النظر عن التفاصيل الفنية المتعلقة بالاختراع ذاته، الجانب الفريد في هذه القضية هو أن الدكتور ثالر يسعى إلى الاعتراف بـ DABUS بصفته مخترعًا. ولكن عندما قدم الدكتور ثالر طلب براءة الاختراع بالنيابة عن جهاز DABUS إلى مكتب براءات الاختراع الأمريكي رُفض هذا الطلب. والسؤال الجوهري في هذه القضية هو ما إذا كان يمكن اعتبار نظام الذكاء الاصطناعي مخترعًا من ناحية قانونية أم لا. ولهذا آثار هذا الموضوع ضجة كبيرة في مجال الملكية الفكرية.

ولفهم حالة DABUS، من المهم أولاً توضيح مفهوم المخترع. فالمخترع يُعرَّف بأنه الشخص أو مجموعة الأشخاص الذين ساهموا في التوصل إلى فكرة جديدة ذات فائدة وتتسم بالجدة ولها قابلية للتطبيق الصناعي. بمعنى آخر، المخترع هو الشخص الذي لديه فكرة الاختراع وساهم في تطويره. فهذا التعريف يحدد من له الحق في التقدم بطلب للحصول على براءة اختراع وتلقي الحماية النظامية والمزايا المرتبطة بها. وبناء على هذا التعريف، يعد الاختراع مقصورًا على الأشخاص الطبيعيين، ويعتمد هذا على فكرة أن البشر فقط لديهم القدرة الإبداعية والقدرات العقلية اللازمة للتوصل إلى أفكار واختراعات جديدة. ومع ذلك، مع القدرات المتزايدة لأنظمة الذكاء الاصطناعي، برزت مسألة ما إذا كان يمكن اعتبارهم مخترعين أم لا.

وتعتبر قضية DABUS هي الأولى من نوعها التي تتحدى هذا الفهم التقليدي للابتكار، حيث يجادل الدكتور ثالر بأنه يجب اعتبار DABUS مخترعًا لأنه هو الذي ابتكر الأفكار وطور الاختراع. وقدم الدكتور ثالر أدلة لدعم ادعائه، بما في ذلك حقيقة أن DABUS كان قادرًا على ابتكار أفكار جديدة تمامًا ومبتكرة وأنه كان قادرًا على إكمال جميع خطوات عملية الاختراع بمفرده. إلا أن مكتب الولايات المتحدة للبراءات والعلامات التجارية (USPTO) رفض باستمرار ادعاءات الدكتور ثالر، معلِّلًا بأن الاختراع يقتصر على الأشخاص الطبيعيين. ونص مكتب الاختراعات الأمريكي في قراره على أن "المخترع يجب أن يكون شخصًا طبيعيًا، حيث إن الشخص الطبيعي هو الذي تصور الاختراع وهو مسؤول عن الحد من ممارسة الاختراع".  واتجه الدكتور ثالر للقضاء الأمريكي معترضًا على قرار مكتب براءات الاختراع، وانتهى الأمر في هذه المطالبات بصدور حكم من محكمة الاستئناف للدائرة الفيدرالية بإقرار رأي مكتب براءات الاختراع الأمريكي. 

وتلقى مكتب البراءات الأسترالي ذات الطلب، وكان نائب مفوض البراءات قد رفض الطلب لأنه لم يذكر فيه اسم مخترع بشري. وارتأى المفوض أن المعنى التقليدي لمصطلح "المخترع" (والذي لم يتم تعريفه في قانون البراءات) هو "بشري بحكم طبيعته"، وأن تصنيف الذكاء الاصطناعي على أنه مخترع يتعارض مع المادة 15 من قانون البراءات الأسترالي التي تنص على عدم جواز منح البراءة إلا للمخترع. وعليه قام الدكتور ثالر بالاعتراض على الحكم الصادر من المكتب أمام المحكمة الأسترالية الفدرالية. وفي خطوة غير متوقعة ارتأى القاضي دجاستس بيتش (Justice Beach) أن الذكاء الاصطناعي قادر على أن يكون "مخترعاً" لأغراض قانون براءات الاختراع الأسترالي. وخلص القاضي إلى أنه "لا يوجد حكم محدد [في قانون البراءات] يدحض صراحة فرضية أن يكون نظام الذكاء الاصطناعي مخترعاً"، وأنه في مثل هذه الظروف يجوز للذكاء الاصطناعي أن يكون مخترعًا.

وقد أخد هذا الحكم الصادر من القاضي ضجة كبيرة بين أوساط المهتمين بأنظمة الذكاء الاصطناعي ومكاتب الملكية الفكرية، ولكن، في 13 أبريل 2022، حكمت المحكمة الفيدرالية بكامل هيئتها لصالح لجنة براءات الاختراع (IP Australia) في قرار أصدر بالإجماع. فقد اتفق القضاة على أن "أصل استحقاق منح البراءة يكمن في المسعى البشري"، وعبروا في حكمهم بأنه "مع مراعاة اللغة القانونية وهيكل وتاريخ قانون البراءات، نحن نختلف بكل احترام مع الاستنتاج الذي توصل إليه القاضي الابتدائي. وكان نائب المفوض محقًا في التوصل إلى استنتاج مفاده أنه من خلال تسمية DABUS باعتباره المخترع، فإن طلب الإيداع لم يمتثل للشروط اللازمة للحصول على للبراءة".

كما قد تلقى كذلك عدد من مكاتب براءات الاختراع في بعض الدول نفس هذا الطلب للحصول على براءة اختراع لـ DABUS. وبناء على رفض تلك المكاتب هذا الطلب، رفعت عدة قضايا للاعتراض على تلك القرارات، وما يزال الأمر منظورًا إلى الآن في عدد من محاكم تلك الدول. والجدير بالذكر أن مكتب الملكية الفكرية في جنوب إفريقيا (لجنة الشركات والملكية الفكرية) قد وافق على طلب ثالر، وتم تأكيد ذلك في مجلة براءات الاختراع الخاصة بهم. ولكن لا تعد هذه الموافقة ذات قيمة حقيقة وذلك أن جنوب إفريقيا تعمل بآلية مختلفة في طلبات براءات الاختراع، حيث يقوم مكتب البراءات بالتحقق فقط من المتطلبات الشكلية الأساسية في هذه الطلبات، ولا يجري فحصًا موضوعيًا لها. وعليه، فقبول الطلب هنا لا يدل على اتساع قانون البراءات في دولة جنوب أفريقيا للاعتراف بنسبة الاختراعات للذكاء الاصطناعي.

ويتضح من السياق أعلاه أن التوجه العام لدى مكاتب الملكية الفكرية حول العالم هو عدم الاعتراف بالذكاء الاصطناعي بكونه مخترعًا، خاصة في الوقت الراهن ووفق قوانين الملكية الفكرية الحالية. وهذا ما قصدته القاضية الأمريكية ليوني برينكيما في حكمها المؤيد لقرار مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع حينما بينت أن "الأمر متروك للمشرعين لتوسيع نطاق الابتكار. ومع تطور التكنولوجيا، قد يأتي وقت يصل فيه الذكاء الاصطناعي إلى مستوى من التطور لدرجة أنه قد يرضي المعاني المقبولة للاختراع. لكن هذا الوقت لم يحن بعد، وإذا حدث ذلك، فسيكون الأمر متروكًا للكونغرس ليقرر آلية ذلك، إذا أراد توسيع النطاق". وفي جميع الأحوال، فإن المسألة محل البحث التشريعي يجب أن تكون منحصرة في دراسة المصلحة من الاعتراف بالذكاء الاصطناعي كمخترع  لغرض التشجيع على تطوير هذه التقنية، في مقابل المصلحة من جعل منتجات الذكاء الاصطناعي مشاعة للعموم استصحابًا للمقاصد والمبادئ التشريعية من قوانين الملكية الفكرية. 

واخيرًا، لا يخفى أن التقاطعات القانونية بين  تقنية الذكاء الاصطناعي وحقوق الملكية الفكرية لم تعد مجرد فرضيات تطرح في الأروقة الأكاديمية لإثارة النقاش وتدريب الملكة القانونية، وإنما أصبحت إشكاليات حقيقة تواجه مكاتب الملكية الفكرية ومن ضمنها الهيئة السعودية للملكية الفكرية التي تلقت طلب البراءة المتعلق بـDABUS وجميعنا يترقب باهتمام  كبير قرار الهيئة حول هذا الطلب.
 

التصنيف : براءات الاختراع
author حماية اختراعات الذكاء الاصطناعي: قضية DABUS

التعليقات (2)