شهدنا في المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة اهتمامًا بالغًا بالملكية الفكرية وحمايتها شمل الانضمام إلى عدد من اتفاقيات الملكية الفكرية الدولية المهمة، ومنها المصادقة في الأسبوع الماضي على بروتوكول اتفاق مدريد في شأن التسجيل الدولي للعلامات (بروتوكول مدريد) ذي الأثر الكبير من الجانب القانوني والاقتصادي في مجال العلامات التجارية، حيث يمكّن ملاك العلامات التجارية من تسجيل علاماتهم دوليا عن طريق المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، وذلك بعد تسجيلها محليا لدى إحدى الدول الأعضاء في البروتوكول (دولة المنشأ). وعليه، يتجنب مالك العلامة بذلك تحمل تكلفة وعناء تسجيل علامته في كل دولة على حدة بإجراءات معقدة. ولا شك أن هذا الانضمام يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تسهيل ممارسة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية المستهدفين في برنامج التحول الوطني في رؤية ٢٠٣٠. ومما يدل على أهمية منح التجار والمستثمرين إمكانية التسجيل الدولي لعلاماتهم التجارية أن أغلب دول العالم المتقدمة تسارع في ذلك من خلال بروتوكول مدريد. ومن الأحكام الأساسية في بروتكول مدريد أن حفظ حقوق العلامة التجارية بعد تسجيلها دوليا يتوقف على عدم إبطال تسجيلها خلال خمس سنوات في دولة المنشأ التي سُجلت العلامة فيها ابتداءً، وتعرف هذه الفترة بمدة التبعية، وتعد من المسائل المشكلة في بروتكول مدريد كما سنوضحه في هذا المقال.
ويجدر بنا بداية تقديم تعريف عام ببرتوكول مدريد للقارئ الكريم. فهذا البروتكول ينظم التسجيل الدولي للعلامات التجارية بحيث يسهل ضمان حماية العلامات التجارية في عدد من دول العالم بإجراءات موحدة وميسرة، فيجيز للشخص الطبيعي أو الاعتباري تقديم طلب تسجيل علامته التجارية في مكتب إحدى الدول الأعضاء للبروتوكول وفقًا لشروط معينة، وأن يطلب من ذلك المكتب تسجيل تلك العلامة في بعض أو جميع مكاتب دول برتوكول مدريد بواسطة المكتب الدولي في الويبو، على أن يعين مقدم الطلب في طلبه الدول التي يرغب في تسجيل علامته فيها. وقد لوحظت أهمية التسجيل الدولي للعلامات التجارية بهذا الأسلوب في أواخر القرن التاسع عشر، وعليه تبنى عدد من الدول اتفاق مدريد في شأن التسجيل الدولي للعلامات، المبرم سنة ١٨٩١م (اتفاق مدريد). ولكن لوجود بعض الإشكالات الإجرائية في هذا الاتفاق، جاء برتوكول مدريد في عام ١٩٨٩م لحلها وتقديم مرونات تتسق مع التشريعات المحلية في بعض الدول، وتمكين المنظمات الدولية الحكومية من الانضمام له. واتفاق مدريد وبروتوكول مدريد يعملان بالتوازي، ويعد كل منهما مستقلًا عن الآخر. فيجوز لصاحب الطلب تعيين الدول التي يرغب في تمديد الحماية فيها، سواء كانت طرفًا في اتفاق مدريد أو بروتوكول مدريد. وقد انضم للاتفاق ٥٥ دولة، بينما انضم لبروتوكول مدريد ١١٥ دولة. ويجب التنبه إلى أن إيداع الطلب الدولي من مكتب المنشأ ليس متاحًا إلا باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الأسبانية. وسبق أن طالبت المملكة قبل الانضمام للبروتوكول بتبني اللغة العربية كأحد خيارات اللغة المتاحة لتقديم الطلب الدولي بصفتها إحدى اللغات الست الرسمية في الأمم المتحدة. وفيما يخص مدة حماية التسجيل الدولي، فهي ١٠ سنوات قابلة للتجديد ومدة كل طلب تجديد ١٠ سنوات كذلك. وتلتزم كل دولة عضو في البرتوكول بحماية التسجيل الدولي فيها طبقًا للحماية المحلية لديها بحيث لا يكون هناك فرق في طبيعة الحماية بين الطلبات المسجلة لديها من خلال البرتوكول والطلبات المودعة لديها مباشرة.
ويعتمد حفظ حقوق العلامة بعد تسجيلها دوليا خلال أولى خمس سنوات على عدم إلغاء تسجيلها الأساسي من التسجيل الدولي، حسب الفقرتين (2) و(3) من المادة السادسة من البروتوكول. فمدة الخمس سنوات هذه هي التي يعتمد فيها استمرار التسجيل الدولي على حالة التسجيل المحلي، وهي ما أشارنا إليه أعلاه بـ "مدة التبعية". والهدف الرئيس من اشتراط هذه المدة هو التأكد من استقرار العلامات التجارية الدولية من حيث عدم تعرضها لاعتراضات قانونية تنتج إبطالها. وهذا الأمر يحث بشكل غير مباشر مسجلي العلامات التجارية على التحقق من عدم وجود مانع قانوني من تسجيلها. ولكن شرط مدة التبعية هذا قد تعرض مؤخرًا على المستوى الدولي لنقد ومطالبات بإعادة النظر فيه. ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب، منها أن ملاك العلامات التجارية بناء على هذا الشرط قد يفضلون تسجيل العلامات في كل دولة على حدة؛ لضمان عدم تعرض تسجيل علاماتهم للإبطال بمجرد إبطالها في دولة المنشأ، وعليه، يفقد التسجيل الدولي أهميته في تيسير الأمر لملاك العلامات التجارية ويصبح على العكس من ذلك مقلقًا لهم لإمكانية تعرضهم لاعتراض من طرف ثالث في دولة المنشأ ويكون مؤثرًا على جميع تسجيلاتهم الدولية. وهذا الإجراء بإبطال التسجيل الدولي من خلال الاعتراض في دولة المنشأ يعرف بـ "الهجوم المركزي". ولتجنب أثر الهجوم المركزي أصبح هناك وُجد توجه ذو تأثير دولي لتقليص مدة التبعية، ومن الدول التي أبدت دعمها لهذا التوجه الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وفرنسا، واليابان، وأستراليا. وتبنت الجمعية الدولية للعلامات التجارية (INTA) توصية لتخفيض مدة التبعية إلى ثلاث سنوات، وهو الرأي الذي حظي بقبول واسع من وفود الدول المشاركة في الفريق العامل المعني بالتطوير القانوني لنظام مدريد في شأن التسجيل الدولي للعلامات (الفريق العامل).
ونظرًا إلى أنه قد يكون لمدة التبعية أثر على الإقبال على التسجيل الدولي من خلال بروتوكول مدريد، فنرى أهمية أن يبحث هذا الموضوع وفق منهجية دقيقة تبين أثره الحقيقي، وأن يكون للمملكة دور في المساهمة في تقديم التوصيات المناسبة في هذا الشأن من خلال القنوات الدولية ذات العلاقة مثل الفريق العامل. فالإشكالية التي لاحظناها بعد الاطلاع على هذا الموضوع أن الآراء المطروحة حوله يظهر أنها تتضمن ادعاءات متعارضة. فعلى سبيل المثال، هناك من يرى أن حالة الهجوم المركزي نادرة الحدوث، وفي المقابل صرح بعض وفود الدول في الفريق العامل بأن مدة التبعية في كثير من الأحيان تكون سببًا لعدم استخدام التسجيل الدولي، وينظر إليها أصحاب العلامات التجارية بأنها عقبة في ذلك. فبناء على هذا التفاوت في الآراء والتوجهات الدولية حول مدة التبعية ولأهميتها، نرى أهمية تحديد موقف واضح فيها بعد دراسة أثرها عند تطبيق البروتكول.