يتطلب إنفاذ حقوق الملكية الفكرية عمومًا الكثير من الجهود والإجراءات ليس فقط على الجهات الحكومية المعنية، بل على أصحاب الحقوق أنفسهم، حيث إن بعضهم يسعون جاهدين للتأكد من احترام الغير لملكيتهم الفكرية. فالكثير من الشركات العالمية على سبيل المثال توكِّل محامين وجهات مختصة للبحث عن أي انتهاك لحقوقهم الفكرية، ومتابعة ما يتعلق بتقديم شكاوى، أو رفع دعاوى قضائية حول ذلك. وهذه الجهود التي يبذلها أصحاب حقوق الملكية الفكرية في الإنفاذ تأتي لكون جهات إنفاذ الملكية الفكرية الحكومية لا يمكن أن تراقب جميع هذه الانتهاكات، وتتخذ الإجراءات اللازمة بشأنها، نظرًا لكثرتها وانتشارها. ويزداد الأمر تعقيدًا حينما تكون تلك الانتهاكات في الفضاء الإلكتروني، أو في المنصات التجارية الإلكترونية. ولذلك، سنسلط الضوء في هذا المقال بالتحديد عن المخالفات والاعتداءات التي تقع على العلامات التجارية في الإنترنت، وأهمية جهود المنصات التجارية الإلكترونية في المساهمة في حمايتها، كما سنشير إلى جهود شركة أمازون المتميزة في هذا المجال.

ولابد أن نؤكد أولًا أن جهود أصحاب الملكية الفكرية في متابعة احترام حقوقهم في الإنترنت لا تعني ضعف عمل الجهات الحكومية المعنية بإنفاذ حقوق الملكية الفكرية في بذل قصارى جهدها في السعي لحفظ حقوق أصحاب العلامات التجارية في مواقع الإنترنت. فالهيئة السعودية للملكية الفكرية على سبيل المثال تبذل جهوداً حثيثة في هذا الجانب، كما أنها تقوم بحملات تفتيشية عن أي انتهاكات لحقوق الملكية الفكرية، سواء في الأسواق أو المحلات التجارية، أو المواقع الإلكترونية. وقد نشرت الهيئة في موقعها الإلكتروني إجراءات تقديم الشكوى لأصحاب المتاجر الإلكترونية، المسجلة علاماتها التجارية لدى الهيئة في حالِ انتهاكِها أو استخدامِها من قبل الغير دون ترخيص سابق من مالك العلامة. وبالرغم من هذه الجهود، نجد أن انتهاك حقوق الملكية الفكرية لا يزال ظاهرة في المنصات التجارية الإلكترونية، وخاصة تلك التي تهتم بانخفاض السعر في مقابل جودة منتجاتها، واحترامها لحقوق أصحاب العلامات التجارية. وانتشار هذه المخالفات والتعديات قد يعود لسببين رئيسين. أحدهما: وجود إقبال من بعض المستهلكين على السلع والخدمات الرخيصة دون النظر إلى كونها أصلية أم لا، وقد يكون ذلك جهلًا منهم بكونها سلعًا وخدمات مقلدة. والسبب الآخر هو وجود تحديات تقنية لدى الجهات الحكومية، وأصحاب العلامات في متابعة هذه المخالفات، وخاصة في المنصات الإلكترونية التي يجري فيها عدد هائل من المعاملات التجارية يوميًا. 

فبالإضافة إلى أهمية إيجاد حلول مبتكرة أكثر فعالية لدى الجهات الحكومية المعنية، لمواجهة هذه المشكلة، ومحاسبة المخالفين فيها، هناك تدابير ذات أثر بالغ من الممكن للمنصات التجارية اتخاذها في مقاومة هذه المخالفات والحد منها. فبعد الاطلاع على جهود منصات التجارة الإلكترونية في هذا المجال، وجدنا أن من أبرزها جهود شركة "أمازون" في حماية العلامات التجارية، حيث إن شركة "أمازون" أطلقت نظامًا مجانيًا متكاملًا لحماية العلامات التجارية في منصتها. فتقوم أولًا منصة أمازون بإجراءات مشددة، للتحقيق من هوية البائعين في المنصة، للتأكد من تحملهم المسؤولية الكاملة عن منتجاتهم، ولتيسير اتخاذ إجراءات قانونية ضدهم في حال انتهاكهم علامات تجارية للغير. ويسمح هذا النظام لملاك العلامات التجارية بتسجيل علاماتهم من خلال خدمة "مسجل أمازون للعلامات التجارية" (Amazon Brand Registry)، وذلك بتقديم الأوراق الرسمية الصادرة من الجهات الحكومية، بهدف التأكد من امتلاكهم لها، وإزالة جميع المنتجات المقلدة لعلاماتهم. كما أن هذا النظام يحتوي على عدد من الأدوات التي تسمح لمنصة أمازون بالبحث عن أي منتج، وفحصه، وإزالته إذا كان مقلدًا. وفوق ذلك، تقدم منصة أمازون خدمات أخرى مساندة، كتوعية المنتجين بأهمية تسجيل علاماتهم التجارية في الجهات الحكومية المختصة، ومساعدتهم في إجراءات تسجيلها. وقد حقق هذا النظام نجاحات باهرة في الحد من مخالفات العلامات التجارية في المنصة، على الرغم من كثرة المعاملات التجارية المنعقدة في هذه المنصة يوميًا. وفي مثل هذه الإجراءات مصلحة ليس فقط لأصحاب الحقوق، بل للمنصات التجارية ذاتها. فالمنصات التجارية التي تضمن حماية العلامات التجارية ستجذب كبار التجار للبيع فيها، كما أنها في الوقت نفسه ستكسب ثقة المستهلكين بمصداقيتها، وتحققها من صحة نسبة المنتجات الموجودة فيها لملاكها.

وبناء على نجاح هذه التجربة، نرى أهمية صدور تشريعات تلزم المنصات الإلكترونية التجارية باتخاذ إجراءات صارمة، لضمان الحد من التعديات على العلامات التجارية فيها. ومن المؤكد أنه ليس متوقعًا من جميع المنصات التجارية الإلكترونية أن تحذو حذو شركة أمازون في نظامها المعتمد على تقنيات في غاية التقدم، لما يترتب على ذلك من تكلفة عالية قد لا يستطيع كثير من المنصات الإلكترونية تحملها، ولكن ينبغي إلزام المنصات بأخذ تدابير تتناسب مع حجم مواردها المالية والبشرية. فعلى سبيل المثال، من الممكن إلزام هذه المنصات في أقل الأحوال باتخاذ وسائل معينة للتحقق من هوية البائعين في المنصة، وخاصة إذا كان لمنتجاتهم أثر صحي. فهذا يعد إجراءً أساسيًا واستباقيًا حيث يؤكد إمكانية تحميل البائعين المخالفين في المنصة المسؤولية القانونية، وييسر إجراءات التبليغ على مخالفاتهم، ومن ثم محاسبتهم عليها. ومثل هذه الإجراءات عمومًا يحقق مصالح عامة، سواء للمنصات نفسها من ناحية رفع موثوقيتها، أو لملاك العلامات التجارية بحماية مصالحهم، أو للمستهلكين من حيث عدم وقوعهم في الغش التجاري المبني على تقليد العلامات التجارية.