تنمو دور الأزياء بالإبداع في تصاميمها وباستثمار رأس المال الفكري فيها وتفرّدها بعرض واستغلال التصاميم المبتكرة بصورة فنية وجمالية في بيئة تنافسية داعمة. ولعدم وجود إشارة خاصة في أنظمة الملكية الفكرية لحماية تصاميم الأزياء، قد يثار تساؤل حول مجال الملكية الفكرية المناسب لحمايتها. لهذا سنستعرض في هذا المقال وسائل الحماية القانونية الممكنة للإبداع في تصاميم الأزياء من خلال أنظمة الملكية الفكرية والمبادئ القانونية ذات العلاقة.
فمن أقرب وسائل حماية تصاميم الأزياء هو حمايتها تحت نظام حماية حقوق المؤلف باعتبار أنها مصنف فني. فنظام حماية حقوق المؤلف يمنح مجموعة من الحقوق المعنوية والمادية التي تثبت للمؤلف على مصنفه. والمقصود بالمصنف المحمي هو "الإنتاج الأدبي أو العلمي أو الفني المبتكر مهما كان نوعه أو أهميته أو طريقة التعبير عنه أو الغرض من تأليفه" كما عرفته المادة الأولى من اللائحة التنفيذية لهذا النظام. والمعيار الأساسي المتعارف عليه في قوانين حماية حقوق المؤلف لهذه المصنفات هو الأصالة، فمتى ما توفرت في المصنف هذه الصفة فمن الممكن حمايته حتى وإن كان من مسارات مختلفة وجديدة. ففي نظرنا تعتبر هذه المادة إذن نصًّا صريحًا يعهد بمهمة حماية تصاميم الأزياء.
ومن المزايا الإيجابية في حماية تصاميم الأزياء وفقًا لنظام حماية حقوق المؤلف هو طول مدة الحماية. فمدة حماية حقوق المؤلف في النظام السعودي هي طيلة حياة المؤلف وخمسون سنة بعد وفاته. ولكن، من أبرز إشكاليات هذا النوع من الحماية للأزياء هو أن قوانين حماية حقوق المؤلف بشكل عام لا تمنع حماية المصنفات المشابهة لمصنفات سابقة إذا أثبت أن أصحاب تلك المصنفات المشابهة لم يطلعوا على المصنفات السابقة. فالأعمال التي تم تصميمها أو تأليفها بشكل مستقل ولم تكن مبنية على التقليد ولكن صادف أنها تشابهت مع تصاميم سابقة تعرف بـ "الإنشاء المستقل" (independent creation ) ولا تعد أعمالا مخالفة لحقوق المؤلف. ففي حال ادعى بعض المصممين أن أعمالهم كانت عبارة عن إنشاء مستقل، فقد يصعب نفي ذلك قضاء وخاصة أن تصاميم الأزياء قد تتشابه الأفكار فيها في كثير من الحالات.
ولتجنب إشكالية "الإنشاء المستقل" الواردة على حماية حقوق المؤلف، من الممكن لمصمم الأزياء السعي لحماية تصاميمه على أنها نموذج صناعي. والنموذج الصناعي هو أحد مجالات الملكية الفكرية المحمية بنظام براءات الاختراع والتصميمات التخطيطية للدارات المتكاملة والأصناف النباتية والنماذج الصناعية. وعرف هذا النظام النموذج الصناعي بأنه: "تجميع للخطوط أو الألوان ثنائي الأبعاد، أو شكل ثلاثي الأبعاد يضفي على أي منتج صناعي أو منتج من الحرف التقليدية مظهرًا خاصًّا، بشرط ألا يكون لمجرد غرض وظيفي أو تقني". ويحمى النموذج الصناعي عن طريق "شهادة النموذج الصناعي" التي تمنح لمن توفر في نموذجه الصناعي صفتا: الجدة والأصالة. ويقصد صاحب التصميم إضافة وإبراز الطابع الجمالي المميز للسلعة. لذا تركز الأحكام القانونية للنموذج الصناعي على مسألة المظهر الخارجي للمنتج المتكوّن من مجموعة الأشكال والألوان ذات الطابع الفني الخاص التي يتم تطبيقها على السلع والمنتجات بقصد إضفاء الجمال عليها. ونجد أن هناك ترابطًا ما بين النماذج وتصاميم الأزياء التي يكون فيها الطابع الجمالي هو الأبرز، وهذه النقطة المشتركة بينهما يمكن من خلالها حماية فكرة تصاميم الأزياء من السرقة أو التقليد.
فبالمقارنة مع حقوق المؤلف، حماية الأزياء عن طريق النماذج الصناعية قد تطمئن صاحب التصاميم من ناحية أنه لا يمكن للغير ادعاء الإنشاء المستقل لتصاميم أزياء مشابهة لها. وذلك لأن الحماية في النماذج الصناعية تكون لمن قدم على طلب الشهادة أولًا وليس لمن قام بالتصميم أولًا. فبإمكان مصمم الأزياء ضمان ذلك بالإسراع في تقديم طلب تسجيل نموذج صناعي لتصاميم. وأما من ناحية مدة الحماية، فمدة حماية النموذج الصناعي أقل حيث إنها تبلغ لدى المنظّم السعودي مدة عشر سنوات من تاريخ إيداع الطلب، ولكنه يعد وقتًا مرضيًا بالنسبة لعالم الأزياء المتسم بسرعة تغيره. ولكن تكمن الإشكالية في النماذج الصناعية في كونها يشترط فيها الجدة بحيث لا يقبل طلب حمايتها إذا كان سبق أن كشف عن التصميم للجمهور وفقًا لضوابط وأحكام معينة نظمتها المادة التاسعة والخمسين من النظام سالف الذكر والباب الثالث من لائحته التنفيذية. ولذلك يتوجب على من يرغب في حماية تصاميم أزيائه وفقًا لهذا النظام بتقديم طلبه بذلك للهيئة السعودية للملكية الفكرية قبل عرضها للجمهور.
وفي جميع الحالات، وجود إشكاليات في حماية تصاميم الأزياء من خلال حقوق المؤلف أو النماذج الصناعية لا يعني هدر حقوق مصمميها. فغالبًا ما نجد حمايات غير تقليدية بموجب أنظمة أخرى أو بالرجوع للقواعد العامة لنظريتيّ القانون والحق، ولعل أبرز التطبيقات على ذلك دعوى المنافسة غير المشروعة. فالمنافسة في أصلها عمل مشروع، ولكن إذا انصرفت هذه المنافسة إلى أهداف غير أخلاقية أو تضمنت أعمالًا ووسائل مخالفة لأخلاقيات المهنة، تتحوّل إلى منافسة غير مشروعة تخول لمن أصابه ضرر من ممارستها مقاضاة من تسبّب له بذلك الضرر عبر دعوى قضائية تحت مفهوم المنافسة غير المشروعة. وتعتبر هذه الدعوى إحدى التطبيقات الخاصة بدعوى المسؤولية التقصيرية، وإحدى الدعاوى التي يلجأ إليها المضرور لحماية تصاميم الأزياء الخاصة به. فهي وسيلة تتيح لمصمم الأزياء الحق في الالتجاء إلى القضاء لتقرير الحماية. وللمنافسة غير المشروعة صور عدة يمكن إجمالها بقولنا إنها: كل الأعمال التي من شأن إتيانها الإضرار والمساس بسمعة التاجر المنافس وتؤدي إلى الخلط وحدوث اللبس بين منتجات أو خدمات هذا التاجر مع غيره من التجار كتقليد تصاميم الأزياء الخاصة به. ففي حال لم يتسن لمصمم الأزياء الدفاع عن تصميمه بموجب نظام حماية حقوق المؤلف أو وفقًا لتنظيم النماذج الصناعية، فله أن يسعى لحمايتها بناء على المبادئ القانونية والقضائية المتعلقة بالمنافسة غير المشروعة.
ماشالله أستاذتنا الراقية كلام رائع بالتوفيق وللأمام دائماً👏🏻