إن النقلة النوعية التي أحدثتها تطبيقات الهواتف الذكية خلال السنوات الماضية في التقدم التقني قد ساهمت في تطوير أغلب القطاعات إن لم ندَّعِ ذلك في جميعِها، وأصبح كل مستخدمي الهواتف الذكية في جميع الفئات العمرية، وبمختلف فئات المجتمع يدركون أهميتها، بل وضرورتها في بعض الأحيان. ولوجود تنافس كبير في صناعة هذه التطبيقات والتسويق لها، أضحى كثير من مطوريها يتساءل عن إمكانية توفير حماية لها بقوانين الملكية الفكرية بما يحفزهم على الإبداع فيها ويحميها من التقليد الضار معنويًا وماليًا على المستوى المحلي والدولي. وإن كانت حماية تطبيقات الجوال من ناحية قانونية تتشابه أو تتماثل مع مسألة حماية مواقع الإنترنت والبرمجيات بشكل عام، فإن التركيز على التطبيقات في مناقشة هذا الموضوع صار مهمًا لكثرة التساؤل عنها على وجه الخصوص. وهذا التساؤل نلاحظ أن إجابته كثيرًا ما تكون مشكلة. فبالبحث مثلًا في محركات البحث عن هذا الموضوع، سنقرأ بعض الإجابات التي تدعي أن هذه التطبيقات لا توجد حماية فكرية لها، وسنجد أحيانًا إفادات بأن بعض الدول قد تحميها ضمن قوانين حقوق المؤلف، وبعضها قد تحميها على أنها براءة اختراع، ونحو ذلك من الإطلاقات العامة. ولكن في الوقع، لا تمكن الإفادة في هذا الأمر إلا بعد تحرير محل الحماية المقصود. فالتطبيق يتكون من عدة مكونات، وكل مكون له تعامل مختلف في تشريعات الملكية الفكرية عالميًا ومحليًا، وهذا ما سنسعى إلى تبيانه أدناه.
لغرض البحث في حماية الملكية الفكرية لتطبيقات الهواتف الذكية، سنقسم مكونات هذه التطبيقات في هذا المقال إلى خمسة مكونات، وهي: الشفرة المصدرية (Source Code)، وواجهات المستخدم الرسومية أو المصورة (Graphical User Interface)، والأمارات المميزة للتطبيق في نظر المستخدمين عن غيره من تطبيقات، والتقنية المخترَعة التي يتضمنها التطبيق في بعض الحالات، ثم في الأخير الفكرة العامة للتطبيق، أو منهجيته (Business Method). وكل مكون من هذه المكونات ينظر فيه بأحكام قانونية وإجرائية مختلفة عن الآخر في مجال حماية الملكية الفكرية. وعليه، إذا حددنا السؤال عن مكون معين، ستكون الإجابة عن حماية الملكية الفكرية له واضحة إلى حد كبير وفقًا لجلٍّ قوانين دول العالم ذات العلاقة. ولذلك سنتناول فيما يتبع توضيح حماية كل مكون على حدته.
فبالنسبة للشفرة المصدرية، فهي عبارة عن النص البرمجي للتطبيق أو الأوامر والتعليمات المؤلفة بلغة معينة من لغات البرمجة لتعكس ما يقوم به التطبيق من إجراءات. فهذا المكون لا إشكال في حماية نصه وفقًا لقوانين حماية حقوق المؤلف دوليًا، بما فيها نظام حماية حقوق المؤلف السعودي. وذلك لكون الشفرة المصدرية تعد مصنفًا (مؤلفًا) علميًّا. ولذلك اعتبرت الفقرة (11) من المادة الثانية من نظام حماية حقوق المؤلف أن المصنفات الأصلية المحمية بهذا النظام تتضمن "برمجيات الحاسب الآلي" الشاملة لبرمجيات تطبيقات الهواتف الذكية. ومن المهم تأكيدُ أن هذه الحماية تتعلق بنص الشفرة المصدرية فقط، لا إلى فكرته أو إلى ما يؤدي إليه من مخرجات عامة. فالنظام، كما هو الحال في القوانين النظيرة له، نص صراحة على أن حماية حقوق المؤلف لا تمتد إلى "الأفكار، والإجراءات، وأساليب العمل، ومفاهيم العلوم الرياضية، والمبادئ، والحقائق المجردة". وبين النظام أن مدة حماية هذه البرمجيات "هي خمسون سنة من تاريخ أول عرض أو نشر" لها. وكما هو مستقر في مجال حماية حقوق المؤلف، فإنه لا يتطلب الحصولُ على هذه الحماية اتخاذَ أي إجراء من مطور التطبيق، فهي حماية تلقائية. إلا أن السعودية، مثل كثير من الدول، تتيح تسجيل الشفرة المصدرية على وجه اختياري لمن يرغب في توثيقها، ويقدم طلب هذا التسجيل للهيئة السعودية للملكية الفكرية. ومع وجود أهمية لحفظ حقوق تأليف نص الشفرة المصدرية، فإنه عادة يسهل على المبرمجين بعد دراسة منهجية التطبيق وخدماته ومزاياه أن يطوروا ما يشبهه ويؤدي مهامه بشفرة مصدرية مختلفة. فحماية الشفرة المصدرية إذن لا تعني حماية الجانب الأهم بالنسبة لمطور التطبيق، وهو ما تؤدي إليه الشفرة المصدرية من نتائج عملية.
وفي شأن واجهات المستخدم الرسومية أو المصورة للتطبيق، فيقصد بها جميع الصفحات، والأيقونات، والرموز، وما شابهها من وسائل تستخدم لتمكين مستخدم التطبيق من التفاعل معه ومع خدماته. فهذه الواجهات لا مانع كذلك من حمايتها بصفتها نماذج صناعية. والنماذج الصناعية هي أحد أنواع الملكية الفكرية المنظمة أحكامها في السعودية بنظام براءات الاختراع والتصميمات التخطيطية للدراسات المتكاملة والأصناف النباتية. ويمكن في هذا المقام تعريف النموذج الصناعي بأنه: الشكل المميز للمنتج الصناعي، الذي يضفي له مظهرًا خاصًا. وتفسر قوانين أغلب الدول (بما فيها السعودية) هذا التعريف بما يتسع لحماية المظاهر المميز ذات الطابع الجمالي في تصاميم واجهات المستخدم المصورة. ولأن حماية النماذج الصناعية تتعلق بالمظهر المميز، فهي لا ترتبط إطلاقًا بالجانب الوظيفي والتقني للمنتج أو التطبيق. فإذا كان هناك جزء من الواجهة له دور وظيفي وتقني، فإنه لا يدخل في حماية النماذج الصناعية. والفرق بين الجانب الجمالي والوظيفي في واجهات المستخدم للتطبيقات أمر ليس من اليسير إدراكه ولا تمييزه عمليًّا في كثير من المواضع. ولحماية النماذج الصناعية يجب على صاحبها تقديم طلب بذلك للهيئة السعودية للملكية الفكرية. ويشترط في النماذج الصناعية أن تتوفر فيها صفة الجدة، ويعني ذلك أنه لا تحمى التصاميم التي مضت عليها مدة محددة من الزمن، أو كشف صاحبها عنها للجمهور قبل أن يودع طلبه لحمايتها.
كما أنه من الممكن حماية الجوانب التي تميز التطبيق عن غيره من التطبيقات باعتبارها علامة تجارية. فالعلامة التجارية تشمل كل ما يميز المنتج أو التطبيق، من عبارات، ورموز، وأشكال، وصور، بل وأصوات، وغير ذلك من الأمور المميزة المشار إليها في القوانين والاتفاقيات ذات العلاقة، بما فيها قانون (نظام) العلامات التجارية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في المادة الثانية منه. فالعلامات الخارجية المميزة للأيقونة مثلًا للتطبيق ومحتواه من الممكن تقديم طلب تسجيلها علامةً تجاريةً، لتحمى لمدة عشرة سنوات قابلة للتجديد. وأهم ما يشترط في العلامات التجارية: تحقق أنها تميز التطبيق في نظر المستهلكين عن غيره. فإذا تحقق ذلك في صورة مثلًا، أو رمز أو صوت نغمة، ونحو ذلك، فستكون قابلة للحماية.
وأما مكون التطبيق الذي قد يقع فيه الإشكال من جهة فهمه، ومن حيث غموض أحكامه القانونية في كثير من الدول، بالإضافة إلى أنه لا يتوفر في كثير من التطبيقات، فهو مكون التقنية المبتكرة المتوفرة في التطبيق. فبعض التطبيقات يحتوي على اختراع تنطبق عليه صفات الاختراعات المحمية بقوانين حماية براءات الاختراع، وهي أن تكون جديدة، وغير مسبوقة أو مكشوف عنها، وأن تكون منطوية على خطوة ابتكارية، لا تعتبر معروفة أو بدهية لدى المتخصصين، وأن تكون قابلة للتطبيق والاستعمال الصناعي. فإذا طور تطبيق على سبيل المثال، وتوفر في تقنية برمجته أو في خدمته ما تنطبق عليه الشروط أعلاه، فالأصل أن ذلك يحمى ببراءة اختراع.
وعلى العكس، فإن مكون فكرة التطبيق العامة أو منهجية عمله لا يحمى لوجود شبه إجماع عالمي على عدم حماية الأفكار العامة، ومناهج العمل لا في ميدان البرمجيات والتطبيقات ولا في غيره. ويرجع دافع التوافق العالمي على هذا المبدأ إلى مبررات نظرية وعملية، ليس شرحها من نطاق هذا المقال. وأحيانا لا يتجلى التباين بين فكرة التطبيق العامة، والمكون السابق المتعلق بالتقنية المبتكرة، ويكون ادعاء مقدم براءة الاختراع للتطبيق هو أن طلبه في الواقع يؤول إلى التقنية المبتكرة في التطبيق، لا إلى الفكرةِ العامة له. ولمحاولة إزالة مثل هذا اللبس، سنمثل أدناه بمثال افتراضي نطبق عليه جميع المكونات المشار إليها أعلاه، مع التركيز على المكونين الأخيرين اللذين يكثر كونهما مشكلين.
فلو طُوِّر تطبيق يوفر خدمة ذكية لتحليل النظام الغذائي المناسب لمستخدمه، وإدارة بعض الجوانب المتعلقة به، فإن هذا التطبيق ستحمى شفرته المصدرية تلقائيا من خلال قوانين حقوق المؤلف، ومن الممكن أن تحمى الجوانب الجمالية لواجهاته وصفحاته بصفتها نماذج صناعية، كما أنه لا إشكال أيضًا في حماية الأمارات المميزة له، من رموز وغيرها، بناءً على قوانين العلامات تجارية. وأما بالنسبة للتقنية التي احتوى عليها هذا التطبيق، فإذا كانت تجسِّد تقنية غير مسبوقة، وتمثل خطوة ابتكارية غير معروفة لدى الخبراء في هذا المضمار، بالإضافة إلى أقابلتها فعلًا للتطبيق والاستفادة منها، فإنه من الممكن منح براءة اختراع عليها في كثير من دول العالم. وفي المقابل، فإن فكرة التطبيق العامة أو منهجية عمله التي يقصد بها الأسلوب المجرد للتطبيق لا تحمى بحد ذاتها، بإجماع الدول. ففي هذا المثال، لا تعتبر فكرة إنشاء تطبيق يوفر خدمة ذكية لتحليل النظام الغذائي المناسب لمستخدمه فكرةً محمية. فمن تعرف على هذا التطبيق وأراد أن يطور تطبيقًا مشابهًا له بشفرة مصدرية مختلفة، وواجهات مستخدم غير مقلدة، وعلامات تجارية غير مشابهة، وبتقنية مختلفة لا تتعدى على تقنية محمية، فلا مخالفة في ذلك إطلاقًا. فهذا الإيجاز حول الفرق بين هذين المكونين نرجو أنه يفيد القارئ من ناحية الانتباه لله بصفة عامة.
ولِنلخِّصَ ما أوردناه أعلاه نقول: إن حماية الملكية الفكرية لتطبيقات الهواتف الذكية تتعلق بأكثر من منظور في التطبيق، وكل منظور منه له أحكامه الخاصة. فلا إشكال في حماية الشفرة المصدرية، وواجهات المستخدم الرسومية، أو المصورة، والعلامات المميزة للتطبيق. وقليلًا ما يتضمن التطبيق أو يتيح تقنية مبتكرة تحتوي على خطوة ابتكارية، ولكن إذا توفرت في التطبيق، فبالإمكان في كثير الدول منح براءة اختراع عليها. وأما الفكرة العامة المجردة للتطبيق فهي لا يمكن حمايتها إطلاقًا، لا في هذا السياق ولا في غيره، فمجالات الملكية الفكرية لا تحمي الأفكار المجردة.