يميل المنتجون والمسوقون إلى جعل منتاجاتهم أكثر جاذبية لجمهور المستهلكين من خلال الإبداع في العلامات تجارية بأساليب لافتة للأنظار. فتتنوع طرق الترويج والتسويق للمنتجات التجارية لتشمل أسلوب التعاون بين أصحاب العلامات التجارية بدمج علامتين تجاريتين في منتج أو خدمة واحدة لتصبحا علامة مشتركة ذات هوية جديدة تضفي على المنتج ميزة لافتة للانتباه، كما أنها تحدث تعاونًا تجاريًا بين المنتجين المتنافسين. وهذا التعاون في العلامات التجارية يترتب عليه آثار قانونية تتعلق بحقوق الملكية الفكرية فيه والتنازع القضائي حوله. ففي ضوء هذه السياسة التسويقية الحديثة، من الضروري أن تُحدَّث التشريعات القانونية ذات العلاقة لتتعامل مع مثل هذه التطورات. ولكننا نجد أن قانون (نظام) العلامات التجارية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ("النظام") لم ينص صراحة على جميع الحالات غير التقليدية للعلامات التجارية، بما فيها العلامات التجارية التعاونية. لذلك، سنناقش في هذا المقال مفهوم تسجيل العلامة التجارية التعاونية وأهمية استيعاب النظام ولائحته التنفيذية للأحكام القانونية الخاصة به.
تتناول الدراسات والمقالات المتصلة بهذا الموضوع مصطلحات ومفاهيم متشابهة حول ارتباط العلامات التجارية ببعضها. ولتجنب الخلط بين تلك المفاهيم سنشير إلى أهم هذه المصطلحات المتقاربة، وهي: العلامات التعاونية (أو التسويق المشترك أو التحالف بين العلامات التجارية)، والعلامات الجماعية، والعلامات المركبة. فبالنسبة للعلامة التعاونية التي هي موضوع هذا المقال، فالمقصود بها أن يتفق ملاك لعلامات تجارية على دمج علاماتهم لتكون علامة واحدة على منتج معين، بالوسائل التي سنشرحها أدناه. وأما العلامة الجماعية فهي التي تطرق لها النظام وعرفها بأنها العلامة التي "تستخدم لتمييز سلع أو خدمات منشآت تعود لأعضاء ينتمون إلى كيان معين يتمتع بشخصية قانونية"، مثل أن يستخدم منتجو مياه مختلفون علامة واحدة تشير إلى مصنع مياه يتعاملون جمعيهم معه. وبالنسبة للعلامة المركبة، فهو مصطلح يستخدم أحيانًا للإشارة إلى عدة علامات لشركة واحدة ومنتج واحد تدمج في علامة واحدة، كأن تدمج مثلًا شركة كوكا كولا علاماتها (الشعار وطريقة كتابة الاسم ونحو ذلك) على عبوة واحدة من عبوات أحد مشروباتها الغازية. فلكثرة اللبس بين هذه المفاهيم أردنا بهذا التفريق التأكد من إزالته.
وعودةً للعلامات التعاونية، فهناك عدة مبررات للتعاون في العلامات. فيكون في بعض الأحيان سبب فعلي لذلك، حيث يقوم التعاون في العلامات على مبدأ الشراكة الصناعية في تصنيع أو إنتاج منتج مشترك بين شركتين فيأخذ علامة مشتركة مكونة بأسلوبٍ ما من علامات الملاك المتشاركين في المنتج. وقد يكون في أحيان أخرى دمج هذه العلامات قائم على مبدأ "التعاون الرمزي"، بمعنى إضافة العلامة التجارية دون المشاركة المادية أو المعرفية أو الصناعية، حسب الاتفاق بين أصحاب تلك العلامات ولأهداف اعتبارية معينة. كما أن وسائل التعاون بين العلامات مختلفة. فأحيانا تصاغ العلامة التعاونية بذكر العلامتين مع بعض جنبًا إلى جنب، مثل علامة الساعات التعاونية المعروفة: (Swatch/Omega)، التي تجمع بين علامة Swatch وعلامة Omega. وفي بعض الحالات تدمج العلامتين في كلمة واحدة، مثل دمج علامة Versaceوعلامة Fendi مؤخرًا في مجال الأزياء في كلمة واحدة وهي Fendace. فالعلامة التجارية التعاونية أصحبت واقعًا في كثير من المجالات والتوجه لها لمبررات وبأساليب مختلفة صار ملحوظًا.
وبالنظر إلى المقصد التشريعي من حماية العلامات التجارية، نجد أنه لا يتعارض مع تسجيل العلامة التعاونية. وذلك أن الهدف من نظام العلامات هو تمييز مصدر منتج ما عن غيره، فلا تسجل علامة تجارية إذا كانت هنالك علامة مطابقة أو مشابهة سبق إيداعها من الغير. وهذا الأمر ليس منطبقًا في العلامة التعاونية. وذلك أن العلامات التي قد تكون سببًا لرفض العلامات التعاونية هي ذات العلامات المودعة أو المملوكة من الشركات المتعاونة. وبالتالي، ينتفي سبب رفض العلامة التعاونية.
إضافة إلى ما ذكر، فإن مما يؤكد هذا التوجه، هو أن فلسفة الملكية الفكرية بشكل عام لا تتعارض مع فكرة التعاون والتشارك في الإبداع والابتكار، بل تؤيدها وتدعمها. فإذا وجد أكثر من مخترع تشاركوا في اختراع موحد فيسمح نظام براءات الاختراع والتصميمات التخطيطية للدارات المتكاملة والأصناف النباتية أن يقدم طلب براءة الاختراع بأسماء المشتركين في الاختراع. كما أن نظام حماية حقوق المؤلف يتيح الحماية لأكثر من مؤلف في تأليف مصنف واحد ويطلق عليها مصطلح المصنفات المشتركة. ولكن على العكس من ذلك، قانون (نظام) العلامات التجارية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لا ينص صراحة على جواز تسجيل العلامة التعاونية أو على المنع من ذلك. وقد يقال إن كون النظام لا ينص على هذا النوع من العلامات لا يعني ضرورةً أنه ليس من الممكن تسجيلها، حيث لا يوجد في النظام ما يمنع من ذلك. ولكن الإشكال أنه في ظل عدم النص على الحق في تسجيل العلامة التعاونية، فلا يستطيع أصحاب هذه العلامة ضمان تسجيلها وأحقيتهم في المطالبة به.
وعدم السماح بتسجيل العلامة التجارية التعاونية، قد يفضي إلى ممارسات سلبية، كما قد يحد من مشاريع التعاون بين الشركات، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن يؤدي إلى منازعات بين أصحاب العلامة التعاونية أنفسهم في حال نشب نزاع قانوني بسبب تعليق حماية العلامة التعاونية على العلاقة التعاقدية المحضة بين الشركاء. فلضمان حقوق أصحاب العلامة التجارية التعاونية وحل الإشكاليات المتوقعة من عدم تأكيد توفير حماية حقوقهم، نقترح في حال حُدِّث نظام (قانون) العلامات التجارية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن يضاف فيه ما يمكِّن تسجيل العلامات التجارية التعاونية ليواكب النظام التطورات المستجدة في مجال العلامات التجارية وتسويقها. والنتيجة لهذا التعديل ستكون إيجابية لملاك هذه العلامات، وقد تؤدي بشكل غير مباشر إلى تشجيع ممارسة التعاون الصناعي بين المنتجين. كما أن ذلك سيؤدي إلى زيادة أعداد تسجيل العلامات التجارية العالمية في المملكة وفي دول مجلس التعاون الخليجي لتتميز في هذا المضمار وتكون في مصاف الدول الأولى عالميًا في السماح بحماية العلامة التجارية التعاونية.